Ad
قصص 💕

قصه خالد وزوجته شوق

في مساء هادئ من أمسيات الشتاء، كانت شقة خالد وشوق مضيئة بضوء أصفر دافئ يخرج من مصباح جانبي في غرفة المعيشة. كان صوت المطر الخفيف يطرق الزجاج، ورائحة القهوة بالحليب تملأ المكان. خالد يجلس على الأريكة، يحمل كوبه المفضل، وعيناه تتابعان شوق وهي تتحرك بين المطبخ وغرفة المعيشة بابتسامة رقيقة لا تفارق وجهها. كان كل شيء في تلك اللحظة يبدو مثالياً، وكأن الحياة قررت أن تمنحهما استراحة من كل هموم الدنيا.

كانت العلاقة بين خالد وشوق في بدايتها أجمل مما تخيلا. تعارفا قبل سنوات في مناسبة عائلية، عندما كانت شوق تضحك مع بنات خالتها، وخالد يجلس في زاوية المجلس يراقب تفاصيل المكان بهدوءه المعتاد. لفتت انتباهه ضحكتها أولاً، ثم طريقة حديثها مع من حولها، ثقة ممزوجة بخجل، وكلماتها مرتبة، وعينيها تلمعان بحياة حقيقية. في تلك الليلة، لم يتحدثا كثيراً، بل كانت مجرد نظرات عابرة واحترام متبادل، لكن شيئاً ما في قلب خالد بقي عالقاً عند اسمها.

مرت الأيام، وتكررت اللقاءات العائلية، ومع كل مرة كان الحوار بينهما يزداد عمقاً. بدأ من المجاملات البسيطة عن الجو والدراسة والعمل، ثم تحول إلى أحاديث عن الأحلام، عن السفر، عن الكتب التي يحبها خالد، وعن الطبخ الذي تعشقه شوق. كانت تحكي له بحماس عن وصفاتها، وهو يضحك ويقول لها إنه مستعد أن يكون “فأر تجارب” لأي وصفة جديدة تبتكرها.

لم يكن خالد رجلاً كثير الكلام، لكنه كان يستمع بإخلاص. وهذا ما جعل شوق تشعر معه بالأمان. كانت تؤمن أن الرجل الذي يستمع أكثر مما يتكلم، رجل يمكن الاعتماد عليه. وبعد فترة، تقدّم خالد لخطبتها رسمياً، وكانت لحظة عقد القران مليئة بدموع الفرح. كانت شوق ترتجف وهي توقع، وخالد يبتسم ويحاول أن يبدو ثابتاً، لكن قلبه كان يخفق كأنه يركض.

بعد الزواج، بدأ فصل جديد من حياتهما. انتقلا إلى شقة صغيرة لكنها مرتبة بعناية. اختارت شوق الألوان بعناية، ستائر بسيطة بلون هادئ، وسجادة ناعمة أشبه بحضن كبير، وصور قليلة على الجدران، لكنها مليئة بمعانٍ. صورة لإطلالة بحر التقطاها في أول رحلة لهما بعد الزواج، وصورة أخرى لهما وهما يضحكان بشكل عفوي، التقطتها أخت شوق بدون أن يعلما.

حياتهما اليومية كانت بسيطة وجميلة. خالد يستيقظ مبكراً ليذهب إلى عمله في شركة تقنية، يحب عمله لكنه أحياناً ينغمس فيه أكثر مما يجب. شوق تستيقظ بعده بقليل، تحضر فطوراً خفيفاً، تتناول قهوتها بهدوء، ثم تنشغل بأعمال البيت، وبعدها تجلس أمام اللابتوب تعمل على مشروعها الصغير في بيع المنتجات اليدوية على الإنترنت. كانت تصمم دفاتر مميزة وعلب هدايا، وتستمتع بكل لحظة تقضيها في اختيار الألوان والأشكال.

في المساء، عندما يعود خالد، كانت شوق تحب أن تستقبله بابتسامة وبكلمة ترحيب. كانت تقول له دائماً.

“الحمد لله على السلامة يا أبو فلان.”.

فيضحك خالد ويقول.

“السلامة تجي مع صوتك.”.

كانا يحبان قضاء وقتهما معاً. أحياناً يشاهدان فيلماً كوميدياً، وأحياناً يمارسان ألعاباً بسيطة، مثل لعبة الأسئلة بين الزوجين، حيث تسأله عن طفولته، عن أول مرة خاف فيها، عن أول حلم يتذكره، وهو يسألها عن أغنيتها المفضلة، وعن أكثر شيء تخشاه. كانوا يضحكون على بعض الإجابات، ويحتفظان ببعضها في قلبهما كأسرار صغيرة تقربهما أكثر.

لكن مع مرور الوقت، بدأت تفاصيل الحياة العملية تتسلل بهدوء إلى قلب هذه العلاقة الجميلة. العمل صار أصعب، ضغط خالد في الشركة ازداد، ومبيعات مشروع شوق لم تكن دائماً ثابتة. كان هناك شهور تزدهر فيها طلبات الزبائن، وشهور أخرى تقل فيها الطلبات بشكل يثير قلقها.

خالد، بشخصيته العملية، كان يرى الأمور بأرقام. مصروفات، التزامات، إيجار، فواتير. بينما شوق كانت ترى الأمور بمشاعر. تعب، حلم، شغف، أمل. ومع اختلاف طريقة رؤيتهما للحياة، بدأت أول شرارة المشكلة.

في إحدى الليالي، عاد خالد متعباً أكثر من المعتاد. وجهه شاحب، وملامحه مرهقة. استقبله صوت ضحكة من هاتف شوق، كانت تتحدث مع إحدى صديقاتها عن منتجاتها الجديدة بحماس، وتستعرض معها تصاميم عدة. كان البيت غير مرتب كما اعتاد أن يراه، الصحون في المطبخ لم تُغسل بعد، والغرفة فيها بعض الفوضى من مواد تغليف الطلبات.

دخل خالد بصمت، رمى مفاتيحه على الطاولة، وجلس على الأريكة دون أن يتكلم. لاحظت شوق دخوله، فأغلقت المكالمة بسرعة، واقتربت منه بابتسامة لكنها انطفأت حين رأت وجهه المتعب.

قالت برفق.

“خير يا خالد، شكلك مرهق اليوم.”.

ردّ بصوت ثقيل.

“تعب شغل يا شوق، ضغط فوق ضغط، وترجع البيت تلاقيه كذا.”.

نظرت حولها بارتباك.

“يعني قصدك الفوضى؟ كنت مجهولة بتغليف الطلبات، قلت أخلصها وبعدين أرتب كل شيء.”.

تنهد خالد.

“شهر كامل وإحنا على هذا الوضع، مشروعك ما يخلي لك وقت لشيء، لا للبيت ولا لي.”.

تجمدت الكلمات في حلق شوق. لم تتوقع أن تتحول جملة عابرة إلى سهم يصيب قلبها بهذا الشكل.

قالت بحزن.

“مشروعي؟ هذا حلمي يا خالد، أنت كنت أول واحد يشجعني عليه.”.

رفع نظره إليها.

“مو قصدي أهاجم حلمك، لكن الواقع غير، إحنا علينا التزامات، ولاحظت أن دخلك من المشروع مو ثابت، وأنت متوترة طول الوقت، والبيت صاير آخر اهتماماتك.”.

شعرت شوق كأن الأرض تميد تحت قدميها.

“يعني تشوف أني مقصرة؟”.

صمت خالد للحظة، ثم قال.

“أحياناً، إيه.”.

كانت تلك الكلمة كافية لتشعل النار في قلبها.

“وأنت؟ أنت دائماً غارق في شغلك، حتى لما تجلس معي، نص تفكيرك في البريد والإيميلات، ليش ما قلت عن نفسك إنك مقصر؟.”.

تبدلت ملامح خالد.

“أنا أشتغل عشان البيت، عشان نعيش مرتاحين، مو عشان مزاجي.”.

ردت بسرعة.

“وأنا أشتغل عشان أحس أن لي قيمة، مو بس طبخ وغسيل وانتظارك ترجع من الشغل.”.

بدأ الصوت يرتفع بينهما، والمشاعر تتشابك. كانت كل كلمة تخرج محملة بسنوات من الأشياء الصغيرة التي لم يتحدثا عنها من قبل. خالد يشعر أنه يحمل مسؤولية البيت وحده، وشوق تشعر أنها غير مرئية، أن تعبها في البيت والمشروع لا يُرى ولا يُقدّر.

انتهى الحوار بأن ساد صمت ثقيل. خالد دخل غرفة النوم وأغلق الباب خلفه، وشوق بقيت في غرفة المعيشة، تشعر بأن قلبها مكسور. لم تبكِ في البداية، كانت مصدومة أكثر من كونها حزينة. لكن بعد دقائق، بدأت الدموع تنهمر بصمت، وكأنها تحاول أن تغسل جرحاً عميقاً فتح للتو.

في اليوم التالي، استيقظ خالد باكراً كعادته، استحم ولبس ملابسه بهدوء، لم يرد أن يوقظ شوق. كانت مستلقية على جانبها الآخر من السرير، ظهرها مواجه له، لكنه يعلم أنها ليست نائمة بالكامل، وكان الجو ثقيلاً بينهما.

خرج من البيت وهو يقول بصوت خافت.

“مع السلامة.”.

لكن شوق لم ترد.

مرّت الأيام التالية ثقيلة. الحوار بينهما أصبح رسمياً وبارداً. أسئلة مثل.

“تبين شيء من السوق؟.”.

“الغداء جاهز.”.

“عندك مشوار اليوم؟.”.

أصبحت هي اللغة الجديدة بينهما. لا ضحكات، لا جلسات طويلة، لا أحاديث عن الأحلام. شوق بدأت تقلل من عملها في المشروع، ليس لأنها اقتنعت بكلام خالد، بل لأن قلبها لم يَعُد متحمساً كما كان. خالد من جهته صار يقضي وقتاً أطول في العمل، وكأنه يهرب من مواجهة الحقيقة في البيت.

لكن وسط هذا الجليد، كانت هناك لحظات صغيرة تكشف أن الحب لم يمت، بل فقط اختبأ خلف الغضب والعتاب. في إحدى الليالي، مرضت شوق بحمى قوية. استيقظ خالد على أنفاسها المتسارعة وحرارتها المرتفعة. نسي كل شيء في لحظة، ركض ليحضر لها الماء والدواء، مسح عرقها، وجلس بجانبها طوال الليل، يراقب حرارتها ويتأكد أنها تتحسن.

وفي اليوم الذي أصيب فيه خالد بصداع قوي لم يستطع معه الذهاب إلى العمل، أعدت له شوق شوربة خفيفة، وأطفأت الأنوار لتريح عينيه، وجلست قربه بصمت، تضع يدها على جبينه وكأنها تحاول أن تسحب الألم بلمستها. لم يتحدثا كثيراً، لكنها كانت لحظات تكشف أن الخلاف رغم قسوته لم ينجح في قتل أصل العلاقة.

كانت نقطة التحول الحقيقية في تلك الليلة التي قررت فيها شوق أن تخرج من دائرة الصمت. جلست وحدها في غرفة المعيشة بعد أن نام خالد، فتحت صندوقاً صغيراً تحتفظ فيه بأشياء تعني لها الكثير. بطاقة كتب لها فيها خالد رسالة قصيرة في أول سنة زواج، مكتوب عليها.

“لو خيروني بين الدنيا وبيني وبينك، اخترت أعيش الدنيا معك.”.

وصورة قديمة تجمعهما في شاطئ البحر، وهي تضع رأسها على كتفه، وعيناهما تضحكان للحياة.

سألت نفسها بصوت مخنوق.

“وين راحت هذي الأيام؟ هل انتهى كل شيء عشان نقاش عن مشروع؟.”.

في تلك اللحظة، شعرت أن المشكلة ليست في المشروع ولا في الشغل، بل في عدم قدرتهما على التعبير عن مشاعرهما ومخاوفهما بطريقة صحيحة. خالد لم يقل إنه خائف من المستقبل، من الالتزامات، من الفواتير، بل اختصر كل خوفه في جملة قاسية عن مشروعها. وهي لم تقل إنها تشعر أحياناً أنها مجرد ظل في حياته، فاختصرت ألمها في اتهامه بأنه لا يهتم بها.

في اليوم التالي، اتخذت قراراً. عندما عاد خالد من عمله، وجد البيت مرتباً بشكل مختلف قليلاً. المطبخ منظم، طاولة الأكل جاهزة، ورائحة طبخة يحبها تملأ المكان. كان هذا الأمر عادياً، لكنه شعر أن هناك شيئاً آخر مختلفاً. شوق كانت تجلس أمامه بهدوء، تضع كوباً من العصير، وتنظر إليه بعينين فيهما تعب، لكن أيضاً فيهما إصرار.

قالت له بصوت هادئ.

“خالد، نقدر نتكلم بهدوء؟ مو مثل ذيك الليلة.”.

تردد للحظة، لكنه شعر أن هذا الحوار قد يكون الفرصة الأخيرة ليعود كل شيء كما كان. جلس، ووضع هاتفه بعيداً، وكأنه يعلن أنه حاضر بكامل انتباهه.

قال.

“أكيد، تكلمي يا شوق.”.

أخذت نفساً عميقاً، ثم قالت.

“أنا ما أبي أكون خصمك، ولا أبي حلمي يكون عدو راحتك. مشروع المنتجات اليدوية يعني لي كثير، مو بس من ناحية فلوس، هو الشيء اللي يحسسني أن لي هويتي الخاصة. لكن لما قلت إن البيت صاير آخر اهتماماتي، حسيت أنك ما تشوف كل اللي أسويه.”.

انخفض صوتها قليلاً، لكن كلماتها بقيت واضحة.

“أحاول أوازن بين البيت والمشروع، يمكن أخطأت مرات، بس مو معناته أني ناسية مسؤولياتي. وفي نفس الوقت، أحس أنك مو واعي قد إيش انشغالك بالشغل يوجعني. لما تجلس معي وجوالك في يدك، أحس أني مو موجودة.”.

ظل خالد صامتاً، يستمع لها بتركيز. لم تقاطعه، ولم تقاطعه هو أيضاً. تركته يستوعب. بعد لحظات، تنهد خالد وقال.

“أعترف يا شوق أني غلطت في طريقة كلامي. فعلاً كنت خايف. خايف من الالتزامات، من المستقبل، وأحياناً أضغط نفسي في الشغل زيادة عن اللزوم عشان أحس أني مسيطر، لأني بطبيعتي أحب كل شيء يكون تحت الحساب والتخطيط. لما شفت البيت مخربط ومشروعك ما يعطي دخل ثابت، قلقت، بس ما عرفت أعبّر عن قلقي بشكل صح، فطلع كلامي جارح.”.

رفع عينيه نحوها.

“أنا ما أشوفك مقصرة كزوجة، بالعكس، أنتِ سندي، وضحكتك تخليني أنسى همومي. لكني ما كنت أعرف أقول لك هذا الكلام. كنت أتصرف وكأني قوي وما يخاف، مع أن الحقيقة إني إنسان مثلك، أخاف، أتوتر، وأغلط.”.

سكت لحظة، ثم أكمل.

“لو كان مشروعك يسعدك، أنا آخر واحد يقف ضده. خلينا بدل ما نتصارع، نتفق. نقدر نحط جدول، وقت لشغلك، وقت للبيت، وقت لينا مع بعض. وأنت تفتحين لي قلبك لما تتعبين من الطلبات أو من قلة المبيعات، وأنا أفتح لك قلبي لما أحس بالضغط من الشغل، بدل ما نخزن كل شيء وننفجر عند أول مشكلة.”.

شعرت شوق أن شيئاً داخلها يلين. كانت بحاجة أن تسمع هذا الاعتراف، أن تشعر أن خوفها مفهوم، وأن خوفه أيضاً حقيقي. اقتربت منه وقالت.

“أتفق. خلينا نحط لنا نظام نرتب فيه حياتنا. مثلاً، نخلي المساء بعد العشاء وقت لنا بس، بدون شغل ولا جوال. وفي النهار أخصص ساعات محددة للمشروع، والباقي أرتب فيه البيت وأهتم بك. ونراجع وضعنا المالي مع بعض، عشان إذا في شيء يقلقك نعرفه سوا.”.

ابتسم خالد لأول مرة منذ فترة.

“صفقة.”.

مد يده نحوها، فمدت يدها بدورها، تشابكت الأصابع من جديد، كأنهما يجددان عقداً غير مكتوب بين قلبيهما.

في الأيام التالية، بدأ التغيير يظهر بالتدريج. لم يتغير كل شيء في يوم واحد، لكنهما بدأا يلتزمان بما اتفقا عليه. شوق وضعت دفتر ملاحظات علقت عليه عنواناً صغيراً.

“تنظيم حياتنا.”.

قسمت فيه الصفحات إلى ثلاثة أقسام.

“بيتنا.”.

“مشروعي.”.

“حياتنا الزوجية.”.

في قسم البيت، كتبت قائمة بالأعمال اليومية والأسبوعية، ووزعت بعضها على خالد أيضاً. غسيل الصحون في بعض الأيام، ترتيب بعض الغرف في أيام الإجازة، حتى لا يكون كل شيء على عاتقها. خالد لم يمانع، بل شعر أنه يشاركها مسؤولية البيت فعلاً، وليس فقط بالكلام.

في قسم المشروع، كتبت شوق أهدافاً صغيرة وقابلة للتحقيق، مثل عدد معين من المنتجات في الأسبوع، تحسين صفحة المتجر، الرد على العملاء في أوقات محددة، حتى لا تبقى طوال اليوم مشغولة بالهاتف.

أما في قسم حياتهما الزوجية، فكتبت أفكاراً للأنشطة التي يمكن أن يقضياها معاً. نزهة قصيرة مساء نهاية الأسبوع. جلسة شاي مع حديث صريح عن مشاعر كل منهما. ليلة ألعاب بينهما، فيها أسئلة مضحكة وأخرى عميقة تعيد لهما أجواء البدايات.

خالد من جهته، بدأ يضع حدوداً بين عمله وحياته الخاصة. قرر ألا يرد على أي بريد إلكتروني بعد ساعة معينة من المساء، إلا في حالة الطوارئ. أزال بعض التطبيقات التي تشتت انتباهه من هاتفه في البيت، وبدأ عندما يدخل من الباب أن يعانق شوق أولاً قبل أي شيء، كأن هذا العناق هو المفتاح الذي يغلق باب العمل ويفتح باب البيت.

مع الوقت، بدأت العلاقة تعود أجمل مما كانت. ليس لأن المشاكل اختفت، بل لأنهما تعلمَا كيف يتعاملان معها. صار الخلاف عندما يحدث أهدأ وأقصر، وصارت الجمل القاسية أقل حضوراً، واستبدلت بجمل من نوع.

“أنا مضغوط اليوم، أحتاج أتكلم.”.

أو.

“اليوم أحس أني تعبانة نفسياً، ممكن نأجل نقاشنا لبكرة؟.”.

تعلم كل منهما أن يشرح شعوره بدلاً من أن يهاجم الآخر. تعلم خالد أن يقول.

“أخاف على المستقبل.”.

بدلاً من.

“مشروعك ما له فايدة.”.

وتعلمت شوق أن تقول.

“أحتاج أحس أنك تشوف تعبي.”.

بدلاً من.

“أنت ما تحس فيني.”.

أسلوب حياتهما صار مزيجاً جميلاً بين المسؤولية والمتعة. صباحات هادئة، خالد يخرج للعمل مبتسماً بعد أن يتناول فطوره الذي تحضره له شوق، وهي تودعه عند الباب بكلمة لطيفة.

ومساءات دافئة، يجلسان على الأريكة نفسها التي شهدت صمتهما ذات ليلة، لكنها الآن تشهد ضحكاتهما، وأحاديثهما عن اليوم، عن مواقف مضحكة حصلت في العمل، أو تعليقات زبائن أعجبتهم أو أضحكتهم.

ذات ليلة، وهما يشربان الشاي، التفت خالد إلى شوق وقال لها.

“أتعرفين يا شوق، يمكن مشكلتنا كانت نعمة متنكرة.”.

نظرت إليه باستغراب لطيف.

“كيف يعني نعمة؟.”.

ابتسم وقال.

“لأنها خلتنا نواجه نفسنا، ونتعلم كيف نعيش معاً كفريق، مو كطرفين يخافون من جرح بعضهم فيسكتون لين ينفجرون. الحين أحس أننا أقوى من قبل.”.

ابتسمت شوق، وعينيها تلمعان بالامتنان.

“وأنا أحس إننا نضجنا. زمان كنت أعتقد إن الحب وحده يكفي، الحين عرفت إن الحب محتاج فهم، واحترام، وتنظيم، وصبر. محتاج إننا نكون واضحين مع بعض، حتى لو كان الوضوح أحياناً مؤلم شوي.”.

دخلت ضحكة خفيفة بينهما، ثم اقترب منها خالد وهمس.

“بس على فكرة، ضحكتك ما تغيرت، هي نفسها اللي خلتني أحبك من أول يوم.”.

احمرت وجنتاها، وقالت مازحة.

“بس لا ترجع تقول عن مشروعي إنه يسبب فوضى.”.

ضحك خالد.

“ما أقول، بس ممكن أساعدك أرتب الفوضى لما تصير.”.

وضعت رأسها على كتفه، وهي تشعر أن قلبها أخيراً وجد توازنه. ليست حياة كاملة بلا مشاكل، لكنها حياة حقيقية، فيها حب، فيها تعب، فيها خوف، فيها أمل، لكن الأهم فيها أنهم معاً، يخطئون ويتعلمون، يسقطون ويقومون، يختلفون ثم يجدون طريق العودة إلى بعضهم.

في تلك الليلة، كان صوت المطر يعود من جديد يطرق زجاج النافذة، لكن هذه المرة، لم يكن مجرد خلفية للصمت، بل موسيقى هادئة ترافق تفاصيل حياة زوجين تعلما أن الحب لا يعني غياب المشاكل، بل يعني أن يبقيا متمسكين بأيدي بعضهما، حتى عندما تعصف بهما رياح الاختلاف.

خالد وشوق لم يعودا كما كانا في البداية فقط، بل أصبحا أقوى، أهدأ، وأكثر نضجاً، وعرفا أن طريق العيش الجميل ليس طريقاً مفروشاً بالورود فقط، بل طريقاً فيه عثرات، لكنهما اختارا أن يسيرا فيه معاً، خطوة بخطوة، وقلباً بجانب قلب